أقلام وآراء » المصري اليوم » أحمد عليبة يكتب: حقبة شي.. قفزات التسلح وتطور سياسات الدفاع الصينية

على هامش العرض كانت بكين تعيد تأطير سردية الحرب العالمية الثانية، رغم حركة التاريخ، وتقلبات الجغرافيا فى محيطها بين مشهدى بداية ونهاية الحرب، فقد تم استدعاء وثائق مثل إعلان القاهرة (١٩٤٣) وإعلان بوتسدام (١٩٤٥)، وهى الوثائق التى تعتبرها الصين أسانيد قانونية تدعم سيادتها على تايوان، حيث تضمنت النص على إعادة تايوان إلى الصين بعد أن كانت تحت الاستعمار اليابانى، حتى وإن كانت هذه الوثائق بطبيعتها السياسية غير ملزمة قانونياً ولم تحدد الوضع النهائى للجزيرة.

ولدى الصين أكبر جيش عامل فى العالم حالياً يصل إلى مليونى فرد، هناك من يرى أن تنمية القدرات فى عصر التكنولوجيا لا يتطلب كل هذا الحجم البشرى، فالجيش الأمريكى يقلص العامل البشرى لصالح تلعب فيها الآلة والروبوتات دوراً محورياً، بما يقلص من حجم العنصر البشرى حيث وصل العام الحالى إلى أدنى مستوى له تاريخياً بنحو ١.٣ مليون فرد عامل، مع الاعتماد على المزايا النوعية للقدرات البشرية.

تشير الوثائق البيضاء «China’s National Defense in the New Era» إلى أهمية البعد الجيوسياسى، لذا يفسر انتاج لعدد كبير من القطع البحرية الصغيرة لسرعة الانتشار وللتعامل مع التهديدات فى البيئة البحرية فى المياه الساحلية والمحيطة، على العكس من الولايات المتحدة التى تحتاج إلى انتاج قطع بحرية كبيرة لشحن معدات وأفراد والإبحار بهم لمسافات طويلة. رغم ذلك تتوسع الصين فى بناء القطع الكبيرة (مدمرات، حاملات طائرات)، فى دلالة على بناء قدرات بحرية للمياه الزرقاء (أعالى البحار)، وهو أيضاً متغير لم يكن وارداً فى إطار السياسات الدفاعية التقليدية أو المتعارف عليها.

قدمت الصين حاملة الطائرات الثالثة للصواريخ الجوية-بحرية الجديدة «فوجيان» (Fujian، Type ٠٠٣)، وهى أول حاملة صينية تستخدم قاذفات كهرومغناطيسية (Electromagnetic Catapults)، لكن لم يتم تأكيد ما إذا الحاملة دخلت الخدمة الكاملة بذلك النظام أم لا. وتشير تقارير أخرى إلى أن فوجيان قد أتمت جولة اختبارات بحرية مكثفة، وأنها ستدخل الخدمة رسمياً فى ٢٠٢٥.

ويعتقد أن هناك دوافع استراتيجية جعلت الصين تبادر بشكل مبكر إلى هذا التوجه، بعضها داخلى، لتعزيز الشعور القومى، وما يعرف عليه «الحلم الصيني»، وإبراز بصمة «حقبة شي» كأكبر نقلة نوعية فى القوة الصلبة. أما خارجياً فالدافع الخاص بتطور مشهد الحرب الروسية الأوكرانية. وما يحققه حلفاء الولايات المتحدة فى جوار الصين من قفزات دفاعية موازية.

تدل أرقام الميزانية على مسار تصاعدى منذ اندلاع الحرب الروسية– الأوكرانية. فقد قدرت موازنة الدفاع لعام ٢٠٢٤ بنحو ٢٤٩ مليار دولار، بزيادة ٧.٢٪ على أساس سنوى، بينما تشير تقديرات بحثية مثل تقديرات معهد ستوكهولم للسلام (SIPRI) إلى أن الموازنة تقدر ٣١٤ مليار دولار على أساس حساب تقديرات القوة الشرائية. بل إن بعض الدراسات الدولية التى نشرتها Texas National Security Review، MIT Security Studies Program (SSP) وغيرها إلى أن (الإنفاق العسكرى) الفعلى قد يصل إلى ٤٧١ مليار دولار. وهو إنفاق ضخم، حتى لو قورن بالإنفاق الأمريكى الذى يزيد عن تريليون دولار، فالصين ليس لديها نفس المتطلبات الدفاعية وعمليات التشغيل والانتشار الواسع والأحلاف.

ويبرر هذا الاتجاه بتسارع التنافس فى الإندو– باسيفيك بعد إعلان تحالف AUKUS عام ٢٠٢١، إذ حفز بيئة سباق تقنى– تشغيلى تدفع بكين إلى زيادة الإنفاق وتيرة وحجماً. كما أن الزيادة التى أدرجت منذ العام ٢٠٢٣ تشير إلى دور الحرب الروسية الأوكرانية كدافع آخر لهذه الزيادة.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الابتكار الدفاعى هو جزء من هذه الموازنة والأجندة التسليحية، ولا يقتصر الابتكار الدفاعى على القطاع العسكرى، ووفقا لدراسة تفصليه لـ(Richard A. Bitzinger، Yoram Evron، Zi Yang) نشرها The National Bureau of Asian Research (NBR) فى عام ٢٠٢١ أصبحت المؤسسات المدنية كالجامعات والمؤسسات العلمية بشكل عام تلعب دوراً رئيسياً فى مسألة الابتكار الدفاعى، من موازنتها الخاصة، لإنتاج أبحاث مدنية عسكرية، منها تطوير الرقائق الالكترونية، والاتصالات وغيرها، وهو أيضاً متغير جديد بالنسبة للسياسات الصينية.

يحمل استعراض مكونات الثالوث النووى، من الصواريخ العابرة للقارات (ICBM)، والغواصات حاملة الصواريخ الباليستية (SSBN)، والقاذفات الاستراتيجية رسالة مزدوجة. على المستوى التقنى، يشير إلى أن بكين انتقلت من تراكم «الكم» إلى بناء بنية ردع متعددة الأبعاد قادرة على امتصاص الضربة الأولى (first strike) والرد عليها بالضربة الثانية (second strike capability). وعلى المستوى الاستراتيجى، يكشف هذا الوضع عن نية تثبيت موقع الصين كقوة نووية كبرى إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا، والانتقال من «الردع الأدنى» (Minimum Deterrence) إلى ردع أكثر مرونة وشمولًا. ويعزز هذا التوجه تطوير القاذفة الشبحية H-٢٠، التى ستمنح الذراع الجوى مدى أبعد وبصمة رصد أقل، بما يزيد كلفة التدخل على الخصوم فى مسارح مثل غرب الهادئ وتايوان.

وأشار تقرير للبنتاجون فى ٢٠٢٣، وSIPRI فى ٢٠٢٤ إلى أن الترسانة النووية الصينية دخلت مرحلة نمو متسارع، حيث تجاوز عدد الرؤوس الحربية النووية ٦٠٠ رأس حربى عام ٢٠٢٤، مع توقعات بأن يتخطى الرقم ١٠٠٠رأس حربى بحلول عام ٢٠٣٠ إذا استمرت على الوتيرة الحالية للإنتاج. يتعين النظر كذلك إلى نقطة أخرى مهمة ظهرت فى العرض العسكرى الأخير، وهى تعدد منصات الإيصال (ثابتة، متحركة، أجيال مختلفة) فى الذراع النووى الواحد، على نحو ما يشير إليه الشكل التالى:

يعكس هذا التنوع والتعدد ثلاث مؤشرات رئيسية، أولها: تعقيد الاستهداف بحيث لا يمكن للخصم أن يشن ضربة واحدة تحيد كل منصات الإطلاق. وثانيها: مرونة الردع، فإذا تعطلت الصوامع، تبقى المنصات المتحركة. إذا كُشفت الغواصات، يبقى الرد من الجو. وثالثها: التصعيد المتدرج بحيث تستطيع التهديد بالردع على مستويات مختلفة، بدل خيار واحد شامل.

كما طورت الصين بمساعدة روسيا بناء نظام «إنذار مبكر» نووى، ووفق البنتاجون اقتربت من تشغيل شبكة إنذار فضائى فعالة، ورادارات «ما وراء الأفق» يمكنها رصد إطلاق الصواريخ من آلاف الكيلومترات. وهى مكملة للأقمار الصناعية، حيث توفر إنذاراً إضافياً فى حالات ضعف المراقبة الفضائية. هذا التطور يعزز من قدرة الصين على إطلاق ضربة ثانية بشكل موثوق، كونها لن تفاجأ كلياً بالضربة الأولى.


بتاريخ:  2025-09-25


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.